[color=blue]--------------------------------------------------------------------------------
الوجه الآخر لحماس
عدنان أبو عمرو
اسلام اون لاين شعار حركة حماس حضور حركة حماس في ميدان المقاومة لم يكن له أن يأتي على هذا النحو من القوة والثبات وتوالي التطور لولا أن هناك حضورا يسبق دوما هذا الحضور ويؤسس له، فقد ظل الحضور داخل ساحة الفعل الاجتماعي هو ما يمنح الحركة فرص التمدد وامتلاك القدرات الفاعلة في مختلف النواحي الخاصة بمفاصل الواقع الفلسطيني، وإذا كانت آلة الفعل المقاوم قد أدت دورها والذي يبدو دوما ظرفيا رغم أهميته من حيث طبيعة وقتية وقوعه، وخاصة عندما يكون شاملا وكثيفا، فإن آلة الفعل الاجتماعي تظل دوما في صدارة المشهد وبؤرة التطلعات، وفي الأحداث الأخيرة التي شهدها القطاع جراء العدوان الإسرائيلي تبدو مطالعة الدور الاجتماعي لحماس هامة للكشف عن السياق التاريخي لهذا الدور وكيفية تشكله، وما طبيعة تجلياته، وما يواجهه من تحديات؟. في الوقت الذي يتفقد فيه الغزيون شهداءهم وجرحاهم، ويرمم السكان مبانيهم المدمرة، ويطمئن الأهالي على أعزائهم وأحبابهم في المستشفيات والعيادات الطبية، يبرز دور هام تقوم به المؤسسات الخيرية الاجتماعية، وهي تقف جنبا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية، والمنظمات الدولية، في إغاثة الملهوف، وإعانة المكلوم.
ولعل اعتماد حركة حماس بقوة ملحوظة على هذه المؤسسات هو ما يجعلها مطمئنة إلى حد كبير على قدرتها على التغلب على حجم النكبة الجديدة التي حلت بسكان قطاع غزة، جراء التدمير الإسرائيلي، الذي استهدف البشر والحجر والشجر، فما هي هذه المؤسسات، وأهميتها، وفوائدها، وأبرز التحديات التي تعترضها؟
التأسيس التاريخي
شرع التيار الإسلامي الفلسطيني في مرحلتي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين في إنشاء مؤسساته الجماهيرية، أبرزها:
1- المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية وجمعية الصلاح الإسلامية، بفروعها المختلفة التي تقدم خدماتها الاجتماعية والإغاثية لعشرات الآلاف من الفقراء والمحتاجين والأسر المستورة، وربما يزداد دورها أهمية في مثل هذه المرحلة لتوفير الإعانات العاجلة لمنكوبي العدوان على غزة.
2- الجامعة الإسلامية: التي تستوعب في أروقتها ما يزيد على 15 ألف طالب وطالبة في مختلف التخصصات العلمية الحديثة، وتعتبر اليوم من أهم المؤسسات التعليمية في فلسطين، وقد حازت على العديد من شهادات التقدير من قبل أهم جامعات العالم.
3- دور القرآن الكريم: المنتشرة في مختلف أنحاء قطاع غزة، وتقدم دورات تدريبية لحفظ القرآن الكريم وترتيله، وقد خرجت العام الماضي ما يزيد عن 2500 حافظ وحافظة ممن هم في مرحلة التعليم الأساسي، وهو الرقم الذي شكل ذروة العمل في هذا المجال خلال السنوات الماضية.
وإلى جانب هذه المؤسسات الكبيرة، أنشأ الإسلاميون رياضا للأطفال والمدارس والمكتبات، وبنوكا للدم والعيادات الصحية، ومراكز التعليم المهنية للنساء والنوادي الرياضية، وجمع التبرعات للصدقات لمساعدة المحتاجين، وتوسيع نشاطات المؤسسات الخيرية، وبناء عدد من المساجد بجانب المراكز التعليمية الإسلامية.
وتعد هذه المؤسسات النواة التنظيمية الأولى للحركة الإسلامية في فلسطين، وأدى الوجود العلني لها ودورها الفاعل في النشاطات الثقافية والاجتماعية لزيادة نفوذها، وأثبتت السنوات التي تلت مرحلة بناء المؤسسات، أنها كانت عملية ثورية وتغييرا جوهريا في نمط التفكير لدى قيادة الإسلاميين الفلسطينيين، فلم يكن سهلا الخروج من قوقعة الانعزال، والإحساس بتآمر جميع الأطراف عليهم بعد سنوات من الملاحقة والضعف والدعاية ضدهم وضد أهدافهم.
وكانت عملية جريئة أن يخرج أبناء الحركة الإسلامية للشارع الفلسطيني يخوضون العمل الشعبي والاجتماعي، ويتعاملون مع الناس جميعا على اختلاف أفكارهم، وبالتالي استفادوا من تجربة المؤسسات فائدة عظيمة، حيث وفرت نمطا وشكلا من أشكال الحماية لنشاطاتهم في الأراضي المحتلة، وغدوا يمارسون كل فعالياتهم من خلالها.
وتعددت نشاطات تلك المؤسسات من مثل: تنظيم المحاضرات، إقامة المكتبات الإسلامية، المعرض السنوي للكتاب الإسلامي، إعادة طبع بعض الكتب الإسلامية، إنشاء رياض الأطفال، تأسيس مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، عقد دورات تقوية للطلاب في المساجد، إقامة لجان لجمع الزكاة والصدقات، تأسيس صندوق لمساعدة الطالب الفقير، تقديم مساعدات طارئة للعائلات التي تتعرض لنكبات، كنسف البيوت، أو اعتقال العائل الوحيد للأسرة، ومن تعرضت بيوتهم للأضرار الجسيمة، مما ترك أثرا طيبا في نفوس الناس.
كيف استفادت حماس من العمل الخيري؟
لاحقا، قامت حركة المقاومة الإسلامية حماس –بعد الإعلان عن تأسيسها أواخر الثمانينيات- بنشاطات اجتماعية واسعة، انعكست آثارها على أوساط كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني، حيث انتشرت المراكز الطبية، الجمعيات الخيرية، لجان الزكاة، وقربت صورة الإسلاميين من أذهان الناس في ظل شيوع ثقافة "الاستنفاع" في بعض الأوساط الفلسطينية، لاسيما المقربة من منظمة التحرير وفصائلها.
وهو ما جعل الكثير من الفلسطينيين يجدون في المؤسسات الإسلامية متنفسا للحصول على الخدمة والرعاية غير الممزوجة بالفئوية والتناحر السياسي، والاستعلاء العقائدي، والتكسب والارتزاق المستشري في الظاهرة "الدكاكينية" الملازمة للكثير من المؤسسات الأخرى.
ويمكن حصر الفوائد التي جنتها حركة حماس من العمل الاجتماعي في الأصعدة التالية:
- مكن العمل المؤسسي الحركة من التطور وتراكم الخبرات.
- ساعدها على الاحتكاك بالجماهير، والعمل لكسبها، واستقطاب أجزاء مهمة منها.
- جعلها بمنأى عن كثير من المشكلات التي تفتك بالتنظيمات المعزولة الجامدة.
- لعل أفضل ما يوضح تلك المسألة نظرية الشيخ الشهيد أحمد ياسين فيما أطلق عليه "الماء الجاري والماء الراكد"، وكان يقول: "نحن حركة إما أن نكون كالماء الراكد يجمدنا الخوف، ولا نتحرك بحجة المحافظة على أمن التنظيم، وحينها نتعرض كالماء للعفن والأمراض، وإما أن نتحرك كالماء الجاري والمتجدد فنتطور وننتشر، وكان بذلك يرد على أصوات محافظة تتذرع بالمحافظة على سلامة الدعوة، بينما كان رأيه أن سلامة الدعوة تكمن في حركتها وظهورها".
- حافظت المؤسسات على الدور الخيري والخدمي بالدرجة الأولى، تاركة مجال التطور التنظيمي والجماهيري للحركة يسير بمعزل عنها دون الارتباط الواضح بها رغم دعمها ومساندتها الطبيعية لهذا التطور.
- لم تكن الحركة تمتلك بعد، جهازا بيروقراطيا كبيرا أو معقدا، كالذي امتلكته منظمة التحرير، ومن ثم فإن أوجه إنفاق أموالها كانت محدودة، وبات من المعروف أن الإخوان المسلمين وقيادتهم، يتسمون بالتواضع في أساليب إنفاقهم، وأبعد ما يكونون عن مظاهر البذخ أو الإسراف والفساد المالي.
][/size]